كالعهد به منذ بدء الخليقة. هكذا هو الإنسان.. إذا مسه الشر جزوعاً. وإذا اشتم رائحة العافية أصابه الغرور، من دون أن يعتبر بما وقع له من شرٍّ، ووباء، وموت محقق. وأظهرت نازلة فايروس كورونا الجديد طبع الإنسان كأنصع ما يكون. ففي الدول التي بدأت فيها دلائل انفراج طفيف في الأزمة الصحية العالمية، سارعوا إلى فك القيود الصحية، والتخلي عن الإرشادات الوقائية. كأن الوباء اندحر ولم يعد مصدراً للخطر. غير أن الأمور ليست بالانفراج الذي تحمله الأرقام، ونماذج بعض العلماء. فها هي ذي الولايات المتحدة تتراجع، بعد العافية التي اشتمتها إثر التوسع في حملات تطعيم سكانها. وكانت أمس الأول الأكبر مساهمة في 508.403 إصابات جديدة سجلتها بلدان العالم؛ إذ كان نصيبها 152.177 حالة جديدة، رافقتها 1888 وفاة إضافية. وارتفع العدد التراكمي لإصاباتها إلى 42.29 مليون إصابة. وأشارت أسوشيتد برس أمس إلى أن عدد الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة ارتفع الى مستويات ليس للأمريكيين عهد بها منذ الشتاء الماضي، ما كنس آثار أشهر من التقدم. ويعاني الجنوب الأمريكي على وجه الخصوص من تزايد الإصابات. ويعتقد أن ذلك يُعزى إلى تسارع تفشي سلالة دلتا المتحورة وراثياً، وإلى رفض قطاعات واسعة من السكان الخضوع للقاحات المضادة لوباء كوفيد-19. وأكثر الولايات معاناة حالياً هي كنتكي، وجورجيا، وتينسي. وزاد الأمر سوءاً قرارات حكام ولايات عدة التخلي عن إلزامية ارتداء قناع الوجه (الكمامة). كما يعزى الأمر أيضاً إلى قرار ولايات إعادة فتح المدارس. ولا يقل متوسط عدد وفيات أمريكا بالوباء حالياً عن 1800 وفاة يومياً؛ فيما تستقبل المشافي كل يوم ما لا يقل عن 170 ألف مصاب.

وليست الحال في بريطانيا أقل إرباكاً وإثارة للقلق، على رغم «الحريات» التي أعيدت للبريطانيين إثر تقدم حملات التطعيم. فبعد يوم فحسب من إعلان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون «خطة الشتاء»، التي تقوم أساساً على إعطاء جرعة تعزيزية ثالثة من اللقاح لجميع من هم فوق سن الـ50 عاماً؛ وبدء تطعيم المراهقين من سن 12 إلى 15 عاماً، وعدم اللجوء إلى الإغلاق بتاتاً؛ حذر علماء في لجنة تستشيرها الحكومة البريطانية أمس من أن عدد المرضى الذين سيتم تنويمهم بكوفيد-19 يمكن أن يرتفع خلال أسابيع إلى 7 آلاف مريض يومياً، أي 7 أضعاف عدد المنومين يومياً خلال يناير 2021، الذي لم يتجاوز 1009 أشخاص في ذروة الموجة الوبائية. وطالب العلماء الذين وضعوا هذه النماذج المفزعة وزراء الحكومة بالتعجيل باتخاذ خطوات صارمة، تشمل الإغلاق، فور بدء حدوث تلك الزيادات في عدد المنومين والمصابين. وحذروا من أن أي تقاعس عن ذلك ستكون عواقبه وخيمة جداً على بريطانيا. وأقر جونسون أمس، بأنه «ليس من الحكمة استبعاد إعادة فرض قيود كوفيد في الوقت الراهن». وقال إنه يقصد إمكان فرض إلزامية حمل شهادات التطعيم، وفرض ارتداء قناع الوجه، والعودة لنصح الموظفين بالعمل من منازلهم. وسارع أعضاء الغرف التجارية البريطانية إلى التنديد بخطة الشتاء، معتبرين أنها ضبابية بالنسبة إلى مستقبل نشاطاتهم التجارية والاقتصادية.

والواقع أن النماذج الرياضية الخاصة بالتوقعات الصحية ليست قصراً على بريطانيا وحدها. فقد ذكر علماء تحالف الصحة والبيئة وكلية ديوك الطبية في سنغافورة، في دراسة أمس الأول، أن مئات الآلاف سيصابون سنوياً بكوفيد-19، نتيجة التقاط العدوى من حيوانات تحمل فايروسات من عائلة الفايروس التاجي (كورونا) ذات الصلة بفايروس كوفيد-19، في الصين ودول جنوب شرق آسيا. ورجحت الدراسة احتمال حدوث 400 ألف إصابة سنوياً، معظمها لا تصاحبه أعراض، أو ترافقه أعراض طفيفة جداً.

«دلتا» تواصل اجتياح العالم

قال علماء جنوب أفريقيا، حيث يوجد أكبر عدد من المصابين بالنقص المكتسب في جهاز المناعة (ايدز)، نحو 8.4 مليون مريض، إن ذلك يعقّد جهود مكافحة كوفيد-19؛ إذ إن مرضى الإيدز يعانون مشكلات في المناعة. وإذا أصيبوا بكوفيد، فإنه يبقى في أجسامهم فترة أطول، ما يهدد بمزيد من التحورات الوراثية، وانتشار هذه السلالات في أرجاء العالم. وأشاروا إلى أنهم درسوا حال امرأة (36 عاماً) مصابة بالايدز، وأصيب بكوفيد-19. وقد بقي فايروس كوفيد في جسمها 216 يوماً ظل خلالها يتحور بسرعة متزايدة.

أعلنت الهند أمس، تسجيل 27176 حالة جديدة، بارتفاع نسبته 7% عن الثلاثاء. ورافقت ذلك 284 وفاة إضافية.

قالت الصين (الأربعاء)، إنها رصدت 51 إصابة جديدة في مدينة فوجيان (جنوب شرقي البلاد)، فيما تم تسجيل 33 إصابة جديدة بمدينة بوتيان، التي تعتبر أكبر معقل لصناعة الأحذية في العالم. وتم رصد 13 إصابة جديدة في مدينة تشيامن التي تخضع لإغلاق كامل. كما اكتُشفت خمس إصابات جديدة في ميناء غوانجو.

أعلنت سنغافورة أمس، أنها سجلت 837 إصابة جديدة (الثلاثاء)؛ منها خمس إصابات لقادمين من الخارج. وأضافت أن عدد المنومين ارتفع أمس إلى 809 أشخاص. وأعلنت كوريا الجنوبية أمس أنها سجلت 2080 إصابة جديدة أمس الأول؛ فيما أعلنت نيوزيلندا تسجيل 14 حالة جديدة. أما تايلند فأعلنت رصد 13.798 إصابة جديدة أمس.

تعتزم الولايات المتحدة «تقنين» صرف علاجات الأجسام المضادة، في أتون تزايد إصابة وتنويم الأشخاص غير المطعّمين بلقاحات كوفيد-19.

أعلنت أستراليا أنها قررت استمرار إغلاق عاصمتها كانبيرا شهراً إضافياً، بعد الكشف عن 22 حالة جديدة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.