قبل عقود لم يكن الهاتف، غير وسيلة اتصال محدود الإمكانات، جهاز عتيق بقرص معدني لا يتجاوز حدوده، ثم تطور «التلفون» العتيق ليصبح أداة في كل يد، وخزانة أسرار وصديقا أمينا أحيانا، وبدا لكثيرين أن الهاتف الجوال كلما تطور.. صغر حجمه وارتفعت مهاراته، يحمل بين دفتيه كاميرا أو كاميرتين وأحيانا ثلاثا، وأضحى الجهاز السحري الصغير استوديو للتصوير، وأداة للبث المباشر، وجهازا للدردشة والتجارة في كل شيء وأي شيء. ومع الطفرة التي شهدتها دنيا الهواتف النقالة ظهرت عادة «السيلفي» والتقاط السوانح مع المشاهير وغير المشاهير حتى أضحت الحالة نوعا من الإدمان يطلق عليها البعض «سيلفيتيس».. أو «السيلفيتزم»! وأثبتت دراسة أجراها باحثون من جامعة (نوتنغهام ترنت) في المملكة المتحدة وكلية (ثياغاراجار) للإدارة في الهند أن هناك حالة اضطراب عقلي تعرف باسم «سيلفيتيس» ناتجة عن إدمان التقاط صور الـ«سيلفي». وطبقا لموقع «loopcayman» فقد تم تجميع 225 طالباً لإجراء التجربة عليهم، وأظهرت الدراسة أن صانعي الصور الشخصية يحاولون التوافق مع المجموعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يتبعون بروتوكولات ضمنية لكسب القبول الاجتماعي. وعرض الموقع 20 سؤالا يمكن بالإجابة عليها معرفة ما إن كنت تعاني هذه الحالة المرضية المعروفة باسم «سيلفيتيس»، وطلب الموقع الإجابة على الأسئلة بإعطاء كل سؤال درجة من (1 إلى 5)، وتمثل خمسة «أوافق بشدة» وواحد «غير موافق بشدة»، وفي النهاية يتم جمع الدرجات وكلما زاد المجموع على 100 درجة، زاد احتمال أن تكون مصاباً بـ«سيلفيتيس».

المشاهير الحقيقيون هم أصحاب الفن والعلم والمواهب

تمثلت الأسئلة في: هل يمنحك التقاط صور سيلفي شعوراً جيداً للاستمتاع بالبيئة المحيطة؟ هل تمنحك مشاركة الصور الشخصية منافسة مع الأصدقاء؟ هل تحظى باهتمام كبير من خلال مشاركة صور السيلفي الخاصة على وسائل التواصل؟ هل تعمد إلى تقليل مستوى التوتر عن طريق التقاط صور سيلفي؟ هل تمنحك السيلفي شعورا بالثقة؟ هل تحصل على المزيد من القبول بين الأقران عند التقاط صور سيلفي؟

ومن الأسئلة أيضا: هل تمنحك هذه الصور القدرة على التعبير عن النفس أكثر؟ هل يساعد أخذ أوضاع مختلفة للسيلفي على زيادة دائرتك الاجتماعية؟ هل تشعر بزيادة شعبيتك عند نشر صور سيلفي على وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل يحسن التقاط السيلفي من حالتك المزاجية ويشعرك بالسعادة؟ هل تشعر بإيجابية أكثر تجاه نفسك عند التقاط صور سيلفي؟ هل أصبحت عضواً قوياً في مجموعتك من خلال منشورات السيلفي؟ هل تمنحك صور السيلفي ذكريات أفضل عن المناسبة أو التجربة التي تعيشها؟ هل تنشر صور سيلفي كثيراً للحصول على المزيد من «الإعجابات» والتعليقات؟ هل تتوقع من أصدقائك أن يمنحوك التقدير من خلال نشر صورك شخصية؟ هل لالتقاط صور سيلفي مفعول فوري في تحسين مزاجك؟ هل تلتقط المزيد من صور السيلفي وتطالعها على انفراد لزيادة ثقتك بنفسك؟ هل تشعر بالانفصال عن مجموعة أصدقائك عند الامتناع عن التقاط السيلفي؟ هل تأخذ صور سيلفي كتذكار للمستقبل؟ وهل تستخدم أدوات تعديل الصور لتحسين صورتك الشخصية لتبدو أفضل من الآخرين؟

نرجسيون محبون للذات.. !

يقول الاستشاري النفسي الدكتور جمال الطويرقي إن عادة السيلفي التي يقوم بها بعض الناس، بدأت أولا بتصوير المأكولات والمشروبات في المنازل، وتوثيقها وتطور الأمر الى تصوير المطاعم وإرسالها عبر منصات التواصل الاجتماعي للأصدقاء، كانت الحالة مقبولة إلى حد ما، لكن الأمر تطور وأصبح هوساً جماعياً في كل مختلف المواقع، فالمدمنون يصورون الأطعمة والملبوسات والأماكن والأشياء الغريبة.

ويصف الاستشاري النفسي «السيلفيين» بالنرجسية واعتقادهم بأنهم أفضل من الآخرين وأنهم مميزون في كل شيء «شكلا ومضمونا»، بل يظنون أنهم محبوبون ومختلفون. ولم يقف الهوس عند هذا الحد بل تطور الحال إلى كسر القواعد وعدم احترام القوانين والأعراف بمخالفات الذوق العام في الأماكن العامة وكل ذلك بسبب هوس التصوير والبحث عن الشهرة. ومضى بعضهم إلى توثيق حياتهم الشخصية وبذلها للعامة في الحسابات الشخصية وعبر التطبيقات الإلكترونية.. «مثل هذه التصرفات وجدت للأسف من يتابعها وغالب هؤلاء المتابعين يحملون ذات الصفات في النرجسية وحب الذات والبحث عن الشهرة. والغريب في الأمر أن البعض يتابعون هؤلاء ويبدون الإعجاب بهم ويغمرونهم بالأموال بحجة أنهم مشاهير والحقيقة أنهم مجرد رويبضة».

الطويرقي يرى أن المشاهير الحقيقيين هم أصحاب الفن والعلم والمواهب المختلفة ومن قدم للمجتمع وللناس شيئا مختلف، أما من يطلقون على أنفسهم مشاهير فهم مجرد أناس مخالفين للقوانين والأعراف والقيم المجتمعية وتورط بعضهم في قضايا تزوير وفساد والنهاية هي السجن والإيقاف و«المضحك المبكي» أن من يطلقون على أنفسهم لقب المشاهير يقعون في آخر المطاف في مواقف لا يحسدون عليها فأصبحوا عبرة لغيرهم.

يضيف الطويرقي: أخيراً ظهر هوس جديد في التصوير والتوثيق في الرحلات والسفريات إلى بعض الدول فيستخفون بأهل البلد ويقومون بأفعال خارج العادات والتقاليد ومنهم من يوثق رخص الأسعار أو شراء الخرفان وذبحها.

ويتساءل: هل ما يوثق بالتصوير والأعمال في تلك البلدان تجسيد لثقافتنا وعاداتنا أم تصرفات شخصية نرجسية وحب للذات «المجتمع السعودي كبير في قدره ومكانته وما يفعله هؤلاء يمثلهم.. هؤلاء مرضى يعانون من اضطرابات في الشخصية».